تصل لوحات الفنان الفرنسي هنري ماتيس، كضيفة إلى معرض الأكاديمية الملكية في وسط لندن، والتي تعبّر عن كيفية استخدام الأشياء العزيزة الثمينة بالمنزل، من الأواني إلى الأقمشة، لاستحضار المزاجية والإلهام، فلوحاته تتجاوز كونها ديكورا يزين بها جدار غرفة جلوس أو مرسمًا ما، إلى كونها باعثة على الإلهام والتنافس الخفي وسرد أسرار الإبداع الفني.
واعترف الفنان، أنه شكّل علاقة عاطفية قوية مع العناصر المنزلية التي يستخدمها يوميا، والتي يظهر بعضها في 20 من أعماله، ولكن دائما بشكل مختلف، أنه يعطي الناس والأشياء والأنماط وزن متساو داخل اللوحة، ولكل منها نفس الكثافة والأهمية البصرية، وسيتم عرض حوالي 35 عملا من العناصر الأصلية جنبا إلى جنب مع 65 من اللوحات والرسومات والقواطع التي ترتبط بها، مما يوفر نافذة مثيرة على عقل ماتيس، وكأنك زرت واحدة من أستوديواته المشمسة في جنوب فرنسا، ورؤية تحويل الأدوات التي يتعامل معها ويحبها إلى أعمالا فنية مبهرة.
وولد ماتيس عام 1869، وتوفي في عام 1954، عن عمر يناهز 84 عاما، تغير العالم لكنه كان مواكبا له حتى اخر لوحاته لا تزال خالدة وتتميز بالحداثة، بدأ فقيرا، وعندما كان شابا، كانت زوجته، إميلي تدعمه عن طريق صناعة القبعات، لذلك ليس من المستغرب أن نجده يشترى أشياء جميلة ولكنها رخيصة، والأكثر إثارة للدهشة أنه عندما أصبح أكثر ثراءً، احتفظ بها، كان يحب المزهريات المستديرة، مثال الزجاج الأندلسي الأخضر المزود باثنين من المقابض، والذي اشتراه في غرناطة، إسبانيا، في نهاية عام 1910 بعد زيارته لقصر الحمراء والمسجد الكبير في قرطبة، وعلى المزهرية، كتب لإميلي ، "جميلة جدا"، والتي رسمت في عام 1925 في نيس، والتي زارها ماتيس كأول مدينة في عام 1917، واستقر في النهاية هناك لبقية حياته.
وهدف ماتيس إلى خلق التناغم من الأشياء التي اكتشفها، وعبّر عن موقفه في كتاب مذكراته، وعمل بجهد كبير على إنتاج اللوحات الجداريّة، والمشاريع الرئيسة التي طلبت منه، كذلك وضع رسومه التي بدأت بالترف، ضمن رؤية واضحة وبسيطة، مع ميل إلى تجريد اللون والتعلق بالشكل الفني العربي، ومن بين أشهر أقوال ماتيس، إن لم يكن بإمكاني أن أذهب إلى الحديقة سأجعل الحديقة تأتي إليّ، أريد أن أصنع شيئاً أقرب إلى التجريديّة أريد أن أنقّي وأكثّف الصورة، عند النظر إلى الرسم عليك أن تقطع لسانك، لم أتوقف عن الرسم لمدة خمسين سنة متوالية.
وتعددت مواهب ماتيس الفنيّة، فله لوحات مطبوعة بوساطة الحجر "ليتوغراف" وأخرى بتقنية التحزيز بسن الإبرة، وغيرها بوساطة الخشب، كذلك زوّد بعض المؤلفات الشهيرة بالرسوم الإيضاحيّة، مثل، كتاب "أوليس" لجيمس جويس، وأعطى صديقا عزيزا لماتيس وإميلي وعاءً من الشوكولا والفضة يعود إلى القرن الثامن عشر كهدية زفاف، وبوفيه قهوة مماثل ظهر وعاء الشوكولاتة لأول مرة في حياته في عام 1900، وقد حوله الفنان لقطع فريدة من نوعها، بالإضافة كرسي الباروك من الفضة الذي اشتراه في عام 1942، وظهرت تحفته الفنية المدعومة بأوراق فضية في العديد من الأعمال، والحدث الثقافي مستمر من 5 أغسطس/آب حتى 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.